هل يعزّز الإنترنت من تقبلنا للآخر؟
قد يبدو هذا أمراً منطقياً، وبشكلٍ غير واعٍ نتجاهل الأفكار والتوجهات التي تخالف وجهات نظرنا بغض النظر عن مدى مصداقيتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه :
يقول إيلي باريزر مؤلف كتاب فقاعات الترشيح filter bubble عن هذ الظاهرة: إنها ظاهرة مخيفة تلك الظاهرة التي تفلتر وترشح المعلومات وفق اهتماماتنا السابقة، عوضاً عن عرضها كلها.
تعرف ويكيبيديا فقاعات الترشيح: بأنها وصف لتأثير تقنية يستخدمها عدد من محركات البحث في تحديد نتائج البحث المعروضة للمستخدمين. هذه التقنية تتمثل في قيام خوارزميات محركات البحث هذه بتخمين المعلومات التي قد يُفضّل المستخدم أن يراها بناءً على معلومات عنه؛ مثل المكان وسلوكيات النقر الماضية وتاريخ البحث، ونتيجة لذلك يصبح المستخدم منفصلاً عن المعلومات التي لا تتفق مع وجهة نظره، وهو ما يعزل المستخدم في فقاعاته الثقافية أو الفكرية الخاصة.
هنالك تصريح خطير وشهير لمارك زوكربيرج يقول فيه: "قد يكون موت سنجاب في فناء بيتك، أكثر صلة باهتمامك من الناس الذين يموتون في أفريقيا". هذا هو للأسف مبدأ شبكة التواصل الاجتماعية الأشهر فيسبوك، والتي تختار لك أهم الأحداث لعرضها من ضمن مئات الأحداث المتاحة.
ويبرر فيسبوك ذلك بقوله: إن المستخدم العادي كان سابقاً لا يقرأ سوى 57% من الأخبار التي يتم عرضها في الفيسبوك، وبعد تطبيق الخوارزمية الجديدة باختيار الأخبار التي يتابعها، زادت النسبة إلى 70%.
بالطبع ستزيد النسبة فعندما تعرض أخباراً تعجب المستخدم فسيقضي وقتاً أطول في قراءتها والاستمتاع بقراءة وجهات نظر شبيهة لوجهة نظره، وتؤكد الحقائق التي يعرفها.
في تجربة متواضعة طُلِب من مجموعة من الأصدقاء السوريين البحث عن جملة "أخبار سورية" ضمن محرك البحث جوجل، وطُلب منهم إرسال صورة عن النتائج وترتيبها. كانت الصور التي أرسلها الأصدقاء متوافقة مع ما سبق؛ حيث اختلف ترتيب المواقع حسب ميول الأفراد الفكرية والسياسية، وحتى الفنية؛ ففي حين كان الخبر الأول لأحدهم عن فوز حازم شريف بلقب أراب أيدول، كان لآخر حول تصريح لبوغدانوف عن سورية، كما اختلفت نوعية المواقع الإخبارية بشكل واضح؛ حيث تربعت في المقدمة لبعضهم نتائج المواقع المؤيدة لطروحات الحكومة، في حين تربعت لآخرين المواقع المعارضة للحكومة.
وغالباً ما ينقر المستخدم على النتائج الأولى لبحثه، بعبارة أخرى سينقر على النتائج الأولى التي اختارها جوجل بناء على مقاييس المستخدم، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تعزيز رأيه وزيادة استقطابه.
للأسف هذا هو سبب فشل الكثير من الأشخاص الذين حاولوا أن يُنظموا حملات واستخدموا هاشتاغ على أمل أن يوصلوا أصواتهم ووجهات نظرهم إلى الآخرين، إلا أنهم عادوا بخفي حنين؛ إذ وجدوا أن صدى أصواتهم يعود إليهم، وأنهم في دائرة مغلقة، لا يمكن كسر حدودها إلا بالمصادفة.
باختصار أصبح كل شخص منا يعيش ضمن عالم المعلومات الفريد الخاص به، وأصبح لكل شخص فقاعته المرشحة الخاصة به التي ترشح المعلومات وفق ميوله، وبالتالي يقل تعرض المستخدمين لوجهات نظر متباينة، وينعزلون فكرياً في فقاعة معلوماتهم الخاصة مما يزيد انحياز كل واحدٍ منهم نحو أفكاره.